الإنضباط الذاتي: أن تتحلّى بالاصرار حتى تصل إلى أهدافك

 تستيقظ "مارييتا" قُبيل مَطلع الفجر كل صباح لكي تمارس التمارين الرياضية. وتتحلى بالكفاءة في عملها، وتتجاهل المُشتِّتات، مُكرّسةً كل انتباهها للمشاريع ذات القيمة العالية. وفي المساء، تحضر دروساً على الإنترنت. وسوف تتخرج خلال شهورٍ قليلة بماجستير في إدارة الأعمال (MBA).

كيف يتمكن أفراد مثل "مارييتا" من إنجاز الكثير، بشكل مستمر؟ وكيف يمكن لنا أن نحقق مثل هذه النتائج في حيواتنا الشخصية ووظائفنا؟ جزء من الإجابة يكمن في الإنضباط الذاتي. هذا هو ما يمكننا من تحقيق أهم نوايانا وأهدافنا، حتى عندما لا تكون لدينا الرغبة في فعل ذلك. إذا تحلينا بالإنضباط الذاتي، نتمكن من تأجيل اللذة قصيرة المدى (أو أن نتحمل المشقة والتعب في الوقت الحالي) لتحقيق مكاسب طويلة المدى.

ولهذا فإن الإنضباط الذاتي هام للغاية. في هذه المقالة سوف نستكشف ماهية الإنضباط الذاتي، وسوف نعرف فائدته، وسوف نفحص طريقة تنميته عندنا.

ما هو الإنضباط الذاتي؟

الإنضباط الذاتي هو قدرتك على أن تدفع ذاتك إلى الأمام، وأن تبقى متحفزاً، وأن تضع نفسك في الفعل، بغض النظر عما تشعر جسديا وعاطفيا. تعرف أنك تتحلى به عندما تسعى إلى وضع أفضل لنفسك، وأن تنفذ بغض النظر عن العوامل من قبيل التشتيت، وصعوبة العمل، والاحتمالات التي ليست في صالحك.

يختلف الإنضباط الذاتي عن التحفيزالذاتي وقوة الإرادة. برغم أن التحفيز الذاتي وقوة الإرادة يساهمان في الوصول إليه، وأيضا الإستمرارية، والقدرة على متابعة ما تنوي فعله إلى نهايته، والعمل الجاد.

لماذا عليك أن تطور مهارة الإنضباط الذاتي؟

الإنضباط الذاتي مفيد في العديد من جوانب حياتنا.

فعلى  سبيل المثال، هو ما يدفعك إلى أداء الأعمال عالية الجودة، حتى وأنت لا تجد الرغبة في فعل ذلك. وهو يعطيك القوة لكي تبقى محترفا مع عملائك، حتى وأنت على وشك الإستسلام. فهو يساعدك على الإلتزام بـ وتحقيق الأهداف الصعبة التي تضعها لنفسك. الإنضباط الذاتي أيضاً يمكنك من الإستمرار في الإندفاع إلى النجاحات العظيمة، بالرغم مما قد يراه البعض من الصعوبة الضخمة.

يمكنها أن تحسن من قدرتك على التعلم والأداء. أظهرت الدراسات أن الطلبة ذوات المستوى العالي من الإنضباط الذاتي كانوا قادرين على الإحتفاظ بالمزيد من المعرفة عن هؤلاء الذين لا يتحلون بالإنضباط الذاتي. بالإضافة إلى ذلك اكتشف الباحثون أن الطلبة الذين يتحلون بإنضباط ذاتي قوي كانوا أكثر اتقاناً لمهامهم، مما حسن من أدائهم.

أظهرت الأبحاث أيضاً أن الإنضباط الذاتي هو العامل الأكثر قدرة على التنبؤ بالنجاح في المستقبل من مستوى الذكاء (IQ).

كيف يمكنك أن تطور مهارة الإنضباط الذاتي:

الإنضباط الذاتي شبيه بالعضلة: كلما عملت على تطويره واستخدامه، كلما ازداد قوة.

ولكن بالرغم من ذلك، فإنه من المهم ألا تبدأ بأهداف عالية الطموح بشكل مبالغ فيه. بدلا من ذلك، ابدأ بأهداف صغيرة، ثم اعلو بمستوى التحدي بشكل بطئ بمرور الوقت.

قم باتباع هذه الخطوات الخمس حتى تبدأ في تطوير إنضباطك الذاتي:

1. إختر هدفاً

ابدأ باختيار هدفاً واحداً فقط لتبدأ في تطوير مهارة الإنضباط الذاتي.

على سبيل المثال، ربما كنت تريد أن تبدأ في ممارسة التمارين الرياضية كل مساء، أو تريد أن تقرأ كتاباً واحداً عن القيادة أسبوعياً لتطور من مهاراتك. يمكنك أيضاً أن تطور الإنضباط الذاتي بأن تركزعلى أهداف صغيرة جدا كالاستمرار في جزء من عملك لمدة ساعة واحدة دون أن تتفقد رسائلك، أو تجنب الطعام غير الصحي لمدة يوم.

تذكر أن البدء بأهداف صغيرة هو أفضل طريقة لتطوير الإنضباط الذاتي. وبينما يزداد انضباطك قوة، يمكنك أن تنشر تركيزك إلى مناطق أكثر في حياتك.

إحرص على أن يكون هدفك ذكياً (SMART)؛ مُحدّداً، وقابلاً للقياس، وقابلاً للتحقيق، وذا صلة، ومقيداً زمنياً، وقم بتقسيم هدفك إلى أهداف فرعية أصغر إذا أمكنك ذلك.

2. حدد دافعك

بعد أن تحدد هدفك، ضع الأسباب التي تدعوك إلى تحقيقه في قائمة، وحاول أن تعبر عن هذه الأسباب بأسلوب إيجابي.

فبدلاً من أن تقول: "أريد أن أتمرن ثلاثُ مَرَّاتٍ في الأسبوع لأخسر الوزن"، قُل: "أريدُ أن أتمرن حتى أملك الطاقة للعب مع أطفالي والعمل بنجاح." أو، بدلاً من قول: "أريد أن أحذف هذه المهمة من قائمة المهام."، قُل: "أريد أن أقوم بهذه المهمة؛ حتى أحقق أهدافي، وألقى المديح من مديري، وأشعر بالرضى عن عمل اليوم."

عندما تعدد الأسباب التي تدعوك إلى تحقيقِ شئٍ ما، ستجد أن إتمام المهمة قد صار أسهل كثيراً.

3. حدِّد العراقيل

الآن سوف تحتاج إلى تحديد العراقيل التي على الأرجح سوف تواجهها وأنت تعمل نحو هدفك، وتضع استراتيجية للتغلب على كُلٍّ منها.

على سبيل المثال، تخيل أن هدفك هو قراءة كتاب عن القيادة أسبوعياً لتطوير مهاراتك. في الماضي قد قابلت عدداً من العراقيل للوصول إلى هذا الهدف. على سبيل المثال، عندما تجد كتاباً يُعجبك، تجد صعوبة في إيجاد وقت كل ليلة للقراءة. بين العمل، والعشاء، والأبناء، فإن وقتك يُستهلك حتى وقت متأخر بالمساء. وتتشتت بسبب الرسائل التي تردك بينما أنت تقرأ.

بمجرد أن تحدد العراقيل، ابتدع استراتيجية للتغلب على كُلٍّ منها. في هذا المثال يمكنك أن تفعل الآتي:

  • بدلاً من الذهاب إلى متجر الكتب، اقضِ ساعةً في النظر إلى كتب القيادة على الإنترنت. جِد بعضاً منهم ممن يثيرون اهتمامك وعليهم مراجعات جيدة. أطلبهم كلهم مرةً واحدة، وحملهم على قارئ الكتب الإلكترونية أو الحاسوب اللوحي (تابلت)، حتى يكون لديك دائماً كتاباً في يديك لتقرأه.
  • أوجد مزيداً من الوقت خلال يومك لتقرأ، ربما يمكنك القراءة خلال ساعة الغداء، أو بينما أنت تنتظر لتحضر أبناءك من المدرسة.
  • أغلق هاتفك عندما تريد التركيز على القراءة.
يتهاوى إنضباطنا الذاتي عادة لأننا لم نحدد العراقيل التي سنواجهها بينما نحقق أهدافنا، ولأننا لم نضع الإستراتيجيات للتغلب عليها. عندما تظهر هذه العراقيل، نكون غير مستعدين للتعامل معها، وهذا يهز من عزيمتنا. لا تتجاهل هذه الخطوة.

4. إستبدل العادات السيئة

عندما نطور مهارة الإنضباط الذاتي، فإننا عادةً ما نكون بصدد محاولة إيقاف عادة سيئة، وإستبدال عادة أكثر إنتاجية بها. ولكن، إذا كانت هذه العادة مرتبطة بوقت محدد في اليوم أو روتين، فإن إيقافها يترك فراغاً. إذا لم نستبدل شيئاً آخر بهذه العادة، فحينها يصبح غياب هذه العادة أكثر وضوحاً.

كمثالٍ جيد على هذا، إذا كنت تحاول أن تمنع نفسك عن التسوق أونلاين في وقت راحتك بالعمل. فإن هذه العادة تدمر تركيزك وانتباهك، لأنك على الأرجح ستكون على الإنترنت لمدة 20-30 دقيقة في كل مرة.

بمجرد أن تتمكن من التوقف، حدد سلوكاً جديداً يمكنك القيام به عندما تريد راحةً سريعة. بدلاً من التسوق أونلاين، يمكنك القيام ببعض التمارين في مكتبك، أو الحصول على كوبٍ من القهوة، أو أخذ تمشية سريعة في الخارج. هذه السلوكيات سوف تساعد في الوصول إلى هدفك، وتقوي من إنضباطك الذاتي، بدلاً من تركك من دون شئٍ تفعله خلال وقت راحتك.

5. راقب تقدمك

أثناء عملك انضباطك الذاتي، ركز على ما تشعر به بينما هو ينمو ويزداد قوة. لربما تشعر بأنك حر، وسعيد، وفخور، ومفعم بالطاقة.

فكر أيضاً في أن تصنع مذكرة لتدون بها أهدافك للانضباط الذاتي وتتابع تقدمك. فإن هذا يقوي من التغييرات الإيجابية التي تصنعها في حياتك، ويمنحك سجلا يمكنك الرجوع إليه لاحقاً لتر التقدم الذي قد حققته.

بمرور الوقت، سوف يزداد إنضباطك الذاتي قوة، وسوف تكون قادراً على تفعيله في جوانب أخرى عديدة من حياتك.

المزيد من النصائح عن الانضباط الذاتي

  • عندما تبدأ في تطوير انضباطك الذاتي، حاول أن تتجنب المشتتات. إجعل الخوض في النشاط الذي تريد تجنبه أصعب. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تريد انضباطاً ذاتيا للتركيز على على العمل بدلا من النظر خلال السوشيال ميديا، استخدم أدوات الإنترنت بلوكر Internet blockers مثل Freedom و Anti-Social حتى تصبح هذه المواقع غير متوفرة في مكتبك.
  • من المهم أن تكافئ نفسك عندما تحقق نجاحاً؛ فإن احتفالك بانجازاتك سوف يبقي الأمر ممتعاً، ويزيد من إصرارك على الاستمرار.
  • لا تدع الخوف من الإخفاق أو الانتكاسات المؤقتة تثبط من همتك. فلكل منا فشله وإخفاقاته، إنها جزء من الحياة! إعترف بهفوتك، تعلم الدرس جيداً، ثم تجاوز الأمر.
النقاط الأساسية

من المهم في الحياة تطوير مهارة الإنضباط الذاتي. الإنضباط الذاتي هو ما يمكننا من تنفيذ الأعمال بجودة عالية، حتى ونحن متعبون. وهو ما يبقينا في السعي نحو أهدافنا خلال الأوقات الصعبة، وهو يساعدنا على أن نبقى محترفين حتى ونحن لسنا على ما يرام.

لتطور الانضباط الذاتي، اتبع الخطوات الآتية:

1. اختر هدفاً.
2. أعثر على ما يحفزك.
3. حدد المعوقات.
4. إستبدل العادات القديمة.
5. راقب تقدمك.

الإنضباط الذاتي هو صفة ضرورية، وهو من الفوارق الأساسية بين الناجحين في الحياة وغير الناجحين، فاحرص على تطويره!

---

Original Post:

https://www.mindtools.com/pages/article/self-discipline.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو اضطراب الشخصية الاجتنابية؟

Project 1: From Charles and Mary Lamb, Othello

علم الإلكترونيات