نجيب محفوظ: الروائي المصري الذي استرعى انتباه العالم بوصفه للحياة في مدينة القاهرة القديمة وأول عربي يحصل على جائزة نوبل

 

  مُتَرجم عن جريدة الجارديان 

بتاريخ: الأربعاء، 30 أغسطس، 2006

الساعة 15:10 بتوقيت بريطانيا الصيفي

كتب "دينيس جونسون ديفيز"


الروائي نجيب محفوظ، الذي تُوُفّيَّ عن عُمرٍ يناهز الـ 94، كان أهم الشخصيات العربية في عالم الأدب؛ اذ بعد حصوله على جائزة نوبل في عام 1988، تمكّن الأدب العربي المعاصر من تحقيق مكانة عالمية، بعدما كان يتم تجاهله في الغرب. ويصعب التفكير في كاتبٍ قد تغيرت مكانته بشكل جذري بعد فوزه بالجائزة مثلما تغيرت مكانة محفوظ بسبب الجائزة.

تحّول نجيب محفوظ بعد الجائزة، من كاتبٍ معروف فقط لدى العرب، وعدد صغير من المستشرقين، إلى كاتب معروف عالميا. وبعد أن كان أي ناشر مهم في إنجلترا أو الولايات المتحدة ليس على الاستعداد لنشر أعماله، في يومٍ وليلة تم تبنيه من قِبل دور نشر أمريكية رائدة وحقق أعلى المبيعات. وعندها، بدأت ترجمة رواياته إلى لُغاتٍ عدّة.

وُلد نجيب محفوظ في الجمالية في المدينة القديمة: القاهرة. وكان والده موظفا حكوميا بسيطاً. قضى هذا الكاتب سنواته الأولى في هذا المناخ القروسطي المميز بممراته الضيقة، وتجمعات المباني المتكدسة، وأسواق الحرفيين الخلابة. وصارت هذه الملامح جزءاً من مخيلته ووعيه، وصار يعيدها إلى الحياة من خلال بعض رواياته الواقعية الأولى، خصوصاً في "الثلاثية"، والتي انبنت عليها بشكل أساسي شهرته في كل من العالم العربي والغرب.

كانت حياة محفوظ منظمة وخالية من التنوع أو الأحداث الكبيرة بشكل متفرد، يمكننا فقط أن نستثني من ذلك الشروع باغتياله في عام 1994 من قبل متطرف صغير السن، والذي أفلت منه محفوظ بأعجوبة. وقد حصل محفوظ على تعليم تقليدي في الكُتّاب (مدارس لتحفيظ القرآن)، ثم في التعليم الابتدائي والثانوي كان محفوظ قد قرأ الكثير من كلاسيكيات الأدب العربي وأتقن اللغة العربية بنحوها وتراكيبها المعقدة. تخرج من قسم الفلسفة في جامعة القاهرة عام 1934، وبدأ بعدها دراسة ماجستير في الفلسفة، والتي تركها عندما قرر أن يشق طريقه ككاتب.

وقد أدرك أن الكتابة لابد أن تكون بدوام جُزئي، عمل نجيب في وظائف حكومية حتى تقاعد في 1971. من ضمن المناصب التي تولاها منصب مدير للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة، وأخيرا: مدير لمكتب وزير الثقافة. ومع مطلع الثمانينيات، بدأ يدعم دخله بكتابة سيناريوهات أفلام، ومع ذلك فبالرغم من أن ثلاثون من أعماله قد تحول إلى أعمال سينمائية، ولكنه كان يرفض تكييف أعماله لتناسب السينما.

بعد تقاعده، لحق بمجموعة من الكُتّاب المميزين، الذين من ضمنهم الكاتب المسرحي توفيق الحكيم، في جريدة الأهرام المصرية الرائدة. ومنذ تلك اللحظة ورواياته أصبحت تنزل في هيئة سلاسل على صفحات الجريدة، قبل أن تنشر في هيئة كتاب. وبحكم ضرورة عمله بالحكومة لتوفير لقمة العيش، اكتسب محفوظ مهارات الإلتزام اللازمة لكي ينظم وقته بحيث يكون قادراً على القراءة بتوسع، وأن ينتج حصيلة من الأعمال الخيالية. ولشعوره بأن الزواج سيكون معرقلاً، فإنّه قد أجّل الزواج إلى سن الـ 43.

كتب محفوظ فوق الـ 30 رواية. وكانت محاولته الأولى، ثلاثة روايات بخلفية فرعونية، وكانت الأولى "عبث الأقدار" (1939). ثم جاءت مرحلة الواقعية الاجتماعية كما نراها في روايات مثل "زقاق المدق" (1947)، وهي وصف حيوي ممتع لأزقة طفولته، والشخصيات المذهلة التي تقطن فيها: مالك المقهى الحشاش المعلم كرشة، وزيطة صانع العاهات، وهو الذي يقوم بعمليات تشويه لهؤلاء الذين يرغبون في تبني حياة الشحاذة.

ثم وفي العام 1956، خرجت لنا رواية "بين القصرين"؛ الجزء الأول من الثلاثية، وتبعها في العام التالي الجزئين التاليين: "قصر الشوق"، و"السكرية". الرواية التي ناهز حجمها الضخم ما يقارب 1500 صفحة، روت لنا الرواية حياة أجيال ثلاثة من عائلة عبد الجواد وتمتد من عام 1917 حتى ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.

في هذه الفترة كانت مصر تناضل من أجل الحصول على الإستقلال من حكم الإنجليز. تصف لنا الرواية تفاصيل الحياة اليومية لأسرة من الطبقة المتوسطة بدقة متناهية، مسجلة للتاريخ أسلوب حياة قد اندثر تحت وطأة التأثير الغربي وضغوط الحياة المعاصرة كما لم يسجله أي كتاب آخر. الأحداث التاريخية لهذه الحقبة تتداخل مع حياة العديد من شخصيات الرواية. ويمثل أفراد العائلة الاتجاهات السياسية المنتشرة في البلد: حزب الوفد، بأبطاله "سعد زغلول" و"مصطفى النحاس" (وهو الحزب الذي انتمى له نجيب محفوظ)، والحركة الإشتراكية الناشئة متمثلة في كتابات "سلامة موسى"، وارهاصات حركة إسلامية أصولية.

تم معالجة الكم الهائل من الشخصيات والأحداث في الرواية بحرفية عالية، ويتضح تمكن الكاتب من مادته وضوحا تاما. لقد كان إنجازاً عظيماُ، خصوصاً عند الأخذ في الحسبان أن الرواية العربية كانت في لاتزال في بداياتها. صارت الثلاثية من الأفضل مبيعا في العالم العربي سريعاً، وحتى من لم يتمكن من القراءة عرف شخصيات الرواية من خلال الأفلام التي صنعت منها. وقد باعت الرواية في الولايات المتحدة أكثر من 250 ألف نسخة، مثبتة بذلك أنها حصلت على التقدير حتى خارج نطاقها الثقافي.

وبالرغم من أنها لم تُنشر حتى عامي 1956-1957، فإن الرواية قد اكتملت كتابتها قبل ثورة جمال عبد الناصر في عام 1952. وقد أصابت الثورة والحقبة القمعية التي خلفتها محفوظ بالاحباط. ولأنه لم يكن قادراً على نقدها، فقد فضل التزام الصمت. ثم في عام 1957 بدأ العمل على "أولاد حارتنا" والتي ترجمت إلى الإنجليزية بعنوان (أبناء الجبلاوي)، وهي الرواية التي أدخلت المؤلف في صدام مع السلطة الدينية. فبعد صدورها في هيئة حلقات في جريدة الأهرام، رفض الأزهر وهو جامعة القاهرة الدينية أن يظهر العمل في صورة كتاب. ففي مجتمع ذي حساسية دينية، كان التعامل الفني مع بعض الشخصيات أمراً مرفوضاً. صدرت الرواية لاحقاً في بيروت وهي حتى اليوم متوفرة في مصر فقط بشكل سري. وبعدها بسنوات كانت هي السبب في محاولة اغتياله في 14 أكتوبر 1994، والتي دخل المستشفى بسببها متأثراً بجرحٍ في العنق، جعله في حالة شلل جزءي في ذراعه الأيمن.

تمثِّل هذه الرواية تغيرا في أسلوبه، فقد كتبها في هيئة حلقات، وهو الأسلوب الذي سوف يتبناه لاحقاً في أعمال أخرى. وبالرغم من أن التيمات التي شغلته كانت متكررة، إلا أن محفوظ داوم على تجديد أسلوبه خلال مسيرة عمله. "أولاد حارتنا" هي قصة مجازية يظهر فيها الله ممثلا في شخصية "الجبلاوي"، وآدم ممثلا في "أدهم"، وشخصيات أخرى تمثل الأنبياء عيسى ومحمد. وبالرغم من أن دور النشر الأمريكية دابلداي قد نشرت ترجمة جديدة في 1996، إلا أن قراراً قد إتُّخذ بألا تتوفر في مصر.

أيضا من الروايات المهمة "الحرافيش" (1977): وهي أيضاً مكتوبة بأسلوب الحلقات وتدور أحداثها في حارة في القاهرة القديمة. وهي تحكي عن عدة أجيال من عائلة واحدة، مع اضفاء طابعا عالميا على الحارة لتكون صورة معبرة عن الظرف الانساني. ولكن الأسطورة هنا هي من وحي خياله، وليس من وحي قصة سقوط آدم كما في "أولاد حارتنا".

وقد كان محفوظ يقرأ بتبحر في الأدب الغربي وكان معجبا بفلوبير، وستندال، وبروست، ورواية "موبي ديك" لملفيل. استعارته من الغرب في التكنيك يظهر في رواية "ميرامار" (1967)، والتي نشرت في 1967، والتي نهج فيها نهج "لورانس داريل" في "رباعية الاسكندرية"؛ إذ يربط بين قصة عدد من الشخصيات التي تعيش في بنسيون في مدينة الاسكندرية التي تجاور البحر، ويحكي نفس الوقائع من وجهة نظر أربع شخصيات مختلفة. وتم نشر الكتاب بالإنجليزية عام 1978، مع مقدمة مستبصرة لجون فاولز الذي كان يرى في محفوظ "روائياً مهماً" في هذه المرحلة المبكرة نسبيا.

"ليالي ألف ليلة" والتي نشرت في 1979، ثم بالإنجليزية في 1995، هي أيضاً رواية أخرى كُتبت بأسلوب الحلقات، والذي كان محفوظ قد بدأ يفضله. وفيها يختار قصصا من العمل الكلاسيكي "ألف ليلة وليلة" ويعيد صوغها إلى سردٍ جديد يتناول تلك التيمات التي لطالما شغلته: الخير والشر، مسئولية الإنسان الاجتماعية، ومع الوقت أيضاً: الموت. تدور الرواية في مناخٍ كألف ليلة وليلة، ولكن العديد من المشكلات ترتبط بمشكلات مصر المعاصرة: فساد من هم في السلطة، العدالة الاجتماعية، والحراك الأصولي المتصاعد.

ولم تكد "ميرامار" تصدر حتى هز انتصار اسرائيل في حرب الأيام الست العالم العربي، الهزيمة التي كانت مهينة ومفاجئة في نفس الوقت. وكان رد فعل محفوظ هو التوقف عن الكتابة لخمس سنوات.

وفي أثناء تلك الفترة أضاف محفوظ لقصصه القصيرة الأربعة عشر، قصصا كانت على الأغلب قاتمة السواد كمزاجه في تلك الفترة. وإن إسهاماته في القصة القصيرة العربية غالبا ما تُنسى في مواجهة إنجازه العظيم في فن الرواية. ومن ضمن مجموعات أعماله باللغة الإنجليزية هو إصدار من القصص تحت عنوان (الزمان والمكان) 1992. إحدى قصص هذه المجموعة "زعبلاوي" وجدت مكانها في "روائع نورتون العالمية" وكانت القطعة العربية الوحيدة، بالإضافة إلى بعض الاقتباسات من القرآن. وقد كانت بداياته في كتابة الخيال بكتابة القصة القصيرة، وقد كان سعيداً جدا بقبولها وإصدارها في نسخ مطبوعة. وكان يتذكر كيف أن إحد المحررين قد طلب منه يوماً أن يمر بمكتبه. وعندما قام بذلك تم إعطاؤه جنيهاً واحداً على قصته الأخيرة. "إنها مهنة مربحة أيضاً!" تعجب الكاتب الناشئ في حالة من عدم التصديق.

روايته الأخيرة كانت "قشتمر" (1988) وآخر أعماله المنشورة كانت مجموعة أخرى من القصص القصيرة تُدعى "السماء السابعة" والتي عالجت فكرة الحياة بعد الموت. لقد أراد أن يصدق أن شيئاً جيداً سوف يحل به بعد موته.

قدم محفوظ أيضاً خدمة كبيرة للأدب العربي من خلال إبداعه عبر السنوات لشكل من اللغة رمى بالعديد من الكليشيهات والأساليب العتيقة التي كانت شائعة عرض الحائط، فقد طور لغة مناسبة للاستخدام في الكتابة الأدبية في هذا الزمن.

لم تغير الشهرة ولا الأموال التي حصل عليها من جائزة نوبل حياته. فقد ظل يعيش في شقته المتواضعة في حي الطبقة المتوسطة: العجوزة مع زوجته وبنتيه الإثنتين ولم يغير شيئاً من روتينه اليومي. وقد ظل حتى يوم مماته، وقد صار رجلاً واهناً بسمع وبصر ضعيفين جدا رجلاً متواضعا يضع ابتسامة على وجهه وذو الحس الفكاهي المعروف عن المصريين.

كتب جون إيزرد: في عام 1990 عندما كان واهن الجسد، نصف أعمى، ورغم ذلك مبتهجا، في عمر الـ 79، أجريت معه مقابلة في قهوة "علي بابا" التي تطل على ميدان التحرير بالقاهرة، حيث اعتاد تناول الفطور لمدة 40 عاماً، والتي حضر فيها التحول إلى الفوضى؛ قال: "لقد شهد هذا الميدان العديد من الأحداث، لقد كان أكثر هدوءاً، الآن بات مزعجاً لكن أكثر تطوراً، أفضل للناس العادية، وبالتالي أفضل بالنسبة إلي أيضاً، كإنسان يحب إخوانه من البشر." إن أي بلد تكون محظوظة إذا ما أنجبت مواطنين مثله.

  • نجيب محفوظ، كاتب، مولود في 11 ديسمبر 1911؛ وتوفي في 30 أغسطس 2006.

تعليقات

  1. The article translated tells us about how an Egyptian novelist Nagieb Mahfouz rose from local fame to international recognition and influence.

    ردحذف
  2. The translator displays the Egyptian novelist's works and comments on the impact of their topics and contents on the international literary community of writers.

    ردحذف
  3. Mohammad Hany has captured the spirit of the main article written in the Guardian. His language is simple and clear.

    ردحذف
  4. this blogger has potential and his translations show his proficiency in both the languages. i would highly recommend him

    ردحذف
  5. The translated text is grammatically correct and has no typos or misspellings, I highly recommend Mohammad Hany.

    ردحذف
  6. اسلوب جميل و احترافي و سلس في القراءة.
    انصح به لكل من يبحث عن مترجم

    ردحذف
  7. ممتاز يا محمد
    المقال جميل وسلسل

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو اضطراب الشخصية الاجتنابية؟

Project 1: From Charles and Mary Lamb, Othello

علم الإلكترونيات