Project 1: From Charles and Mary Lamb, Othello
بربانشيو، سناتور* فينيسيا الثري، كانت له ابنة جميلة؛ ديزديمونا الرقيقة، التي كان يجري وراءها العديد من الخُطَّاب**؛ لسببين: أوّلهما أخلاقها الفاضلة العديدة، وثانيهما ميراثها الكبير المُنتظر. ولكن من ضمن كل الخُطَّاب القادمين من نفسِ اقليمها والمُشابهين لها في لون البشرة، لم تجد منهم من يُحرِّك عاطفتها؛ لأن هذه المرأة النبيلة، التي كانت تُقيِّم الرجال بأرواحهم لا بصفاتهم، بتفرُّدها الذي يثير الاعجاب ويصعب تقليده، كانت قد اختارت أن تحب رجلا أسودا من شمال أفريقيا، وكان أبوها يُبجِّله، ويدعوه كثيراً لمنزله. لا يمكن لوم ديزديمونا تماماً لاختيارها رجلاً غير مناسب لها لتحبه، الا أن أوثيلو كان أسوداً، ولم يرغب هذا الأفريقي النبيل في أي شئٍ يوصله الى محبة هذه المرأة العظيمة؛ فقد كان جُنديّا، وكان جُنديّا شجاعاً، ومن خلال أدائه في المعارك الدامية التي خاضها ضد الأتراك، ترقَّى الى مرتبة جنرال في الجيش الفينيسي، وكان مُقدَّرا وموثوقاً به من قِبَل الدولة. كان رحَّالاً، وكانت ديزديمونا (كما هو حال النساء) تعشق الاستماع اليه وهو يروي حكاية مغامراته، والتي كان يبدؤها من أقدم من يمكنه تذكره؛ المعارك، الحصار، والمواجهات التي كان قد مرَّ بها، المخاطر التي تعرض لها في البر والبحر، هروبه على شعرة، وعندما كان يعبر من ثغرة، أو يتقدم ليواجه فم المدفع، وكيف أُخذَ كسجين من قِبَل العدو الغاشم، وبيع كعبد، وكيف حطّ من شأن نفسه في تلك الحالة، وكيف هرب، كل هذه القصص، بالاضافة الى سرده للغرائب التي رآها في البلدان الأجنبية؛ البرّية الشاسعة والكهوف الرومانسية، المحاجر، الصخور والجبال، التي تصطدم قممها بالسُحب، الأمم الوحشيّة، آكلي لحوم البشر، وعرقٍ من الناس في أفريقيا تنمو رؤوسهم أسفل أكتافهم! كانت كل هذه القصص تأسر انتباه ديزديمونا بشدة، لدرجة أنها لو طُلبت في أي وقتٍ لانجاز الأعمال المنزلية فانها كانت تنتهي من هذه الأعمال على وجه السرعة، لكي تعود وتفترس حوارات أوثيلو بآذان طامعة! وفي احدى المرّات، استغل أوثيلو ساعة فراغ واستقبل دعوتها بأن يروي لها القصة الكاملة لحياته كلها، التي سمعت منها الكثير، ولكن فقط كأجزاءٍ متفرقة، واستجاب هو لهذه الدعوة ووافق عليها، وسحرها حتى البكاء عندما خاطبها عن بعض الصدمات التي عاناها في صباه. بعد انتهائه من قصته، ردت عليها بكثرةٍ من التنهيدات على آلامه، وأقسمت قَسماً جميلاً؛ بأن هذا كله يمر عليها مَرَّاً غريباً، مثيراً للرثاء؛ رثاءٌ عجائبي، وقالت أنّها تمنت لو لم تسمعه، وبرغم ذلك فقد تمنت لو أن السماء قد صنعت لها رجلاً كهذا، ثم شكرته وأخبرته بأن لو له صديق يحبها فكل ما عليه هو أن يُعلِّمَه كيف يروي حكايته، وأن هذا سيكون كافياً لابهارها. وبناءً على تلكم التلميحة التي خرجت منها بشئٍ من التواضع لا الصراحة، مقرونة بجمالٍ خلّاب، واحمرارٍ في الخدود، الذي لم يكن لأوثيلو الا أن يفهمه، تكلم أوثيلو عن حبه، بانفتاح، وفي هذه اللحظة الذهبية حصل على الموافقة الشخصية للسيدة ديزديمونا الكريمة بالزواج منه. لا لون أثيلو ولا ثروته كانتا عاملان مساعدان على موافقة بربانشيو ليكون زوج ابنته. لقد ترك لابنته الحرية، ولكنه توقع بأنّها، كما هو سبيل السيدات النبيلات في فينيسيا، كانت ستختار رجلا من طبقة مجلس الشيوخ منذ زمنٍ مضى، ولكنه في ذلك كان مخدوعاً، فقد أحبَّت ديزديمونا الأفريقي، برغم من أنّه كان أسوداً، وكرّست قلبها وحظّها لصفاته وسماته الشجاعة، لذا فقد كان قلبها خاضعاً لاخلاصٍ مُضمَر للرجل الذي اختارته ليكون زوجها. وكان لونه بالنسبة لها، بالرغم من أنه بالنسبة لأي أحد غير هذه المرأة المميزة سببٌ للرفض القاطع، خيرٌ من كل البَشرات البيضاء الصافية للنبلاء من شباب فينيسيا، المريدين لخطبتها. وَصل خبرُ هذا الزواج الذي بالرغم من سريته لم يكن من الممكن الابقاء عليه سرا طويلاً الى آذان الرجل الكبير، بربانشيو، الذي ظهر في مجلسٍ رسمي في مجلس الشيوخ ليتّهم أوثيلو الأفريقي بأنّه أغرى السيدة الجميلة ديزديمونا لكي تحبه وتتزوج منه من دون موافقة والدها، مستخدمأً في ذلك أعمالا سحرية كان قد تعلمها، وضارباً بآداب الضيافة عرضَ الحائط.
*سناتور: عضو في مجلس الشيوخ
**خُطّاب: جمع خاطب وهو طالب المرأة للزواج
**خُطّاب: جمع خاطب وهو طالب المرأة للزواج
تعليقات
إرسال تعليق